هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في رمضان

هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في رمضان

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدَ النَّاسِ بِالخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ، حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- القُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ أَجْوَدَ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ"(1)

فوائد الحديث

بيان عظم جوده -صلى الله عليه وسلم- وامتنان الله على نبيه -صلى الله عليه وسلم- بجعله أجود الناس.

قوله: "كَانَ رَسُولُ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدَ النَّاسِ(بِالخَيْرِ )"

أي: أكثر الناس جودًا والجود الكرم وهو من الصفات المحمودة.(2)

قال ابن رجب: فدلك هذا على أنه -صلى الله عليه وسلم- أجود بني آدم على الإطلاق كما أنه أفضلهم وأعلمهم وأشجعهم وأكملهم في جميع الأوصاف الحميدة، وكان جوده بجميع أنواع الجود، من بذل العلم، والمال، وبذل نفسه لله تعالى في إظهار دينه، وهداية عباده، وإيصال النفع إليهم بكل طريق، من إطعام جائعهم، ووعظ جاهلهم، وقضاء حوائجهم، وتحمل أثقالهم، ولم يزل -صلى الله عليه وسلم- على هذه الخصال الحميدة منذ نشأ ولهذا قالت له خديجة في أول مبعثه: "والله لا يخزيك الله أبدا لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ"(3) ثم تزايدت هذه الخصال فيه بعد البعثة وتضاعفت أضعافًا كثيرة.

وفي الصحيحين عن أنس قال: "كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ"(4)

وفي صحيح مسلم من حديث أنس قال: مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الْإِسْلَامِ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ"

وفي رواية: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: «أَيْ قَوْمِ أَسْلِمُوا، فَوَاللهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَيُعْطِي عَطَاءً مَا يَخَافُ الْفَقْرَ» فَقَالَ أَنَسٌ: «إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلَّا الدُّنْيَا، فَمَا يُسْلِمُ حَتَّى يَكُونَ الْإِسْلَامُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا»(5)

وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: " مَا سُئِلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ شَيْءٍ قَطُّ فَقَالَ: لاَ"(6)

وعَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ بِبُرْدَةٍ، قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا البُرْدَةُ؟ فَقِيلَ لَهُ: نَعَمْ، هِيَ الشَّمْلَةُ، مَنْسُوجٌ فِي حَاشِيَتِهَا، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَسَجْتُ هَذِهِ بِيَدِي أَكْسُوكَهَا، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اكْسُنِيهَا. فَقَالَ: «نَعَمْ». فَجَلَسَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي المَجْلِسِ، ثُمَّ رَجَعَ، فَطَوَاهَا ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ القَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، سَأَلْتَهَا إِيَّاهُ، لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لاَ يَرُدُّ سَائِلًا، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِتَكُونَ كَفَنِي يَوْمَ أَمُوتُ، قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ.(7)

وكان جوده -صلى الله عليه وسلم- كله لله وفي ابتغاء مرضاته فإنه كان يبذل المال إما لفقير أو محتاج أو ينفقه في سبيل الله أو يتألف به على الإسلام من يقوي الإسلام بإسلامه وكان يؤثر على نفسه وأهله وأولاده فيعطي عطاء يعجز عنه الملوك مثل كسرى وقيصر ويعيش في نفسه عيش الفقراء فيأتي عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار وربما ربط على بطنه الحجر من الجوع.(8) 

قوله" وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي[شَهْرِ] رَمَضَانَ"

فيه الترغيب في الجود في كل وقت، واستحباب الإكثار منه في شهر رمضان.

وكان جوده -صلى الله عليه وسلم- يتضاعف في شهر رمضان على غيره من الشهور كما أن جود ربه تضاعف فيه أيضًا فإن الله جبله على ما يحبه من الأخلاق الكريمة.

وفي تضاعف جوده -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان بخصوصه فوائد كثيرة:

منها: شرف الزمان ومضاعفة أجر العمل فيه وفي الترمذي عن أنس مرفوعا: "أفضل الصدقة صدقة رمضان".

ومنها: إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعتهم فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم كما أن "مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ، فَقَدْ غَزَا"(9)، وفي حديث زيد بن خالد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرُهُ، إِنَّهُ لَا يَنْتَقِصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ"(10)

ومنها: أن شهر رمضان شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار لا سيما في ليلة القدر والله تعالى يرحم من عباده الرحماء كما قال -صلى الله عليه وسلم-: " إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ "(11)

فمن جاد على عباد الله جاد الله عليه بالعطاء والفضل والجزاء من جنس العمل.

ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة، وهذه الخصال كلها تكون في رمضان فيجتمع فيه للمؤمن الصيام والقيام والصدقة وطيب الكلام فإنه ينهى فيه الصائم عن اللغو والرفث.

والصيام والصلاة والصدقة توصل صاحبها إلى الله عز وجل وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟ » قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟ » قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟ » قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟ » قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ»(12)

ومنها: أن الصيام لا بد أن يقع فيه خلل أو نقص فالصدقة تجبر ما فيه من النقص والخلل ولهذا وجب في آخر شهر رمضان زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث.

ومنها: أن الصائم يدع طعامه وشرابه لله فإذا أعان الصائمين على التقوي على طعامهم وشرابهم كان بمنزلة من ترك شهوة لله وآثر بها أو واسى منها ولهذا يشرع له تفطير الصوام معه إذا أفطر لأن الطعام يكون محبوبًا له حينئذ فيواسي منه حتى يكون من أطعم الطعام على حبه ويكون في ذلك شكر لله على نعمة إباحة الطعام والشراب له ورده عليه بعد منعه إياه فإن هذه النعمة إنما عرف قدرها عند المنع منها وسئل بعض السلف: لم شرع الصيام؟ قال: ليذوق الغني طعم الجوع فلا ينسى الجائع وهذا من بعض حكم الصوم وفوائده.(13)

قوله: " وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ"

فيه أَنه لَا بَأْس بِأَن يُقَال رَمَضَان من غير ذكر شهر على الصَّحِيح

ولذا ذكر البخاري حديث ابن عباس هذا في صحيحه تحت باب بعنوان: هَلْ يُقَالُ رَمَضَانُ أَوْ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَمَنْ رَأَى كُلَّهُ وَاسِعًا.

قال ابن حجر: أشار البخاري بهذه الترجمة إلى حديث ضعيف رواه أبو معشر نجيح المدني عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعًا "لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله ولكن قولوا شهر رمضان"  أخرجه ابن عدي في الكامل وضعفه بأبي معشر.(14)

قوله: " وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ"

فيه بركة مجالسة الصالحين، وأن فيها تذكار لفعل الخير، وتنبيها على الازدياد من العمل الصالح.

ولذلك أمر عليه السلام بمجالسة العلماء، ولزوم حلق الذكر، وشبه الجليس الصالح بالعطار إن لم يصبك من متاعه لم تعدم طيب ريحه. فعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-قَالَ: " مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ، فَحَامِلُ المِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً "(15)

 قال القرطبي: إذ كَانَ بَعْضُ الْكِلَابِ قَدْ نَالَ هَذِهِ الدَّرَجَةَ الْعُلْيَا بِصُحْبَتِهِ وَمُخَالَطَتِهِ الصُّلَحَاءَ وَالْأَوْلِيَاءَ حَتَّى أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ جَلَّ وَعَلَا فما ظنك بالمؤمنين الموحدين المخالطين الْمُحِبِّينَ لِلْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ بَلْ فِي هَذَا تَسْلِيَةٌ وَأُنْسٌ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُقَصِّرِينَ عَنْ دَرَجَاتِ الْكَمَالِ، الْمُحِبِّينَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَآلِهِ خَيْرِ آلٍ.فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: "وَمَا أَعْدَدْتَ لِلسَّاعَةِ؟ " قَالَ: حُبَّ اللهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: "فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ" قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا، بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحًا أَشَدَّ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ" قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِأَعْمَالِهِمْ(16).

 فهذه ثمرة مجالسة أهل الفضل ولقائهم نتج عنها كما قال ابن بطال فيه: بركة أعمال الخير، وأن بعضها يفتح بعضًا، ويعين على بعض، ألا ترى أن بركة الصيام، ولقاء جبريل وعرضه القرآن عليه زاد.(17)

 قوله: " وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ، حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- القُرْآنَ"

فيه استحباب الإكثار من قراءة القرآن في رمضان وتدارس القرآن بين القراء وهو من التعاون على البر والتقوى.

دل الحديث على دراسة القرآن في رمضان، والاجتماع على ذلك، وعرض القرآن على من هو أحفظ له منه.

وفي حديث فاطمة: أنه أخبرها: "أن جبرائيل كان يعارضه القرآن كُلَّ عامٍ مرَّةً، وأنه عارضه في عام وفاته مرتين"، وفي حديث ابن عباس: "أن المدارسة بينه وبين جبرائيل: كانت ليلاً".

فإن الليل تنقطعُ فيه الشواغلُ، وتجتمعُ فيه الهممُ، ويتواطأ فيه القلبُ واللسانُ على التدبر، كما قال تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا}.

وشهرُ رمضان: له خصوصيةٌ بالقرآن، كما قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]وقال ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما: إنه أُنزل جُملةً واحدةً من اللوح المحفوظ، إلى بيت العزة في ليلة القدر.

ويشهدُ لذلك قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} وقولهُ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} وقد كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُطيلُ القراءة في قيام رمضان بالليل، أكثر من غيره. عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: «مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا»(18)

واعلم أن المؤمن، يجتمعُ له في شهر رمضان جهادان: جهادٌ لنفسه بالنهار على الصيام، وجهادٌ بالليل على القيام، فمن جمع بين هذين الجهادين ووفَّى بحقوقهما، وصبر عليهما وفِّي أجرُه بغير حساب.

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: " الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ "، قَالَ: " فَيُشَفَّعَانِ "(19)

قوله" فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ أَجْوَدَ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ"

فيه أن الثمرة العظمى لقراءة القرآن أن يظهر أثرها على القارئ في أخلاقه وأعماله

كما جاء في هذا الحديث من زيادة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الخير عند مدارسة القرآن مع جبريل، وكما جاء عن عائشة رضي الله عنها أن خلقه -صلى الله عليه وسلم- القرآن، تعنى أنه يأتمر بأوامره وينتهي عن نواهيه وكما جاء عنه -صلى الله عليه وسلم- التحذير من خلاف ذلك بقوله في الحديث الصحيح: "والقرآن حجة لك أو عليك ".(20)

يعني أنه في الإسراع بالجود أسرع من الريح وعبر بالمرسلة إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة وإلى عموم النفع بجوده كما تعم الريح المرسلة جميع ما تهب عليه.(21)

--

(1) البخاري(1902)مسلم (2308)

(2) فتح الباري لابن حجر (1/ 30)

(3) البخاري(3)، مسلم (160)

(4) البخاري(2820)، مسلم (2307)

(5) مسلم (2312)

(6) البخاري(6034)، مسلم (2311)

(7) البخاري(2093)

(8) لطائف المعارف لابن رجب (ص: 164)

(9) البخاري(2843)، مسلم (1895)

(10) أحمد(17033)، الترمذي(807)، النسائي(3317) وصححه الألباني في صحيح الجامع(6415)

(11) البخاري(6655)، مسلم (923)

(12) مسلم (1028)

(13) لطائف المعارف لابن رجب (ص: 166)

(14) فتح الباري لابن حجر (4/ 113). قلت: الحديث أخرجه ابن عدي في الكامل (8/ 313)، والبيهقي في السنن(7904)، وذكره الألباني في الضعيفة (6768) وقال: حديث باطل.

(15) البخاري(5534)، مسلم (2628)

(16) البخاري(6167)، مسلم (2639)

(17) شرح صحيح البخاري لابن بطال (4/ 22).

(18) البخاري(2013)، مسلم(738)

(19) أحمد (6626)، والطبراني في الكبير(88)، وحسن إسناده الألباني في تمام المنة (ص: 395)

(20) مسلم (223)من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه

(21) فتح الباري لابن حجر (1/ 31)