الحكمة من صفات الأنبياء والمؤمنين

الحكمة من صفات الأنبياء والمؤمنين

الحكمة هبة وفضل من اللَّه - عز وجل - يهبها لمن يشاء من عباده وأوليائه، والحكمة ليست كسبية تحصل بمجرد كسب العبد دون تعليم الأنبياء له طرق تحصيلها، فالعبد لا يكون حكيمًا إلا إذا سلك طرق تحصيل الحكمة، ولا يمكن أن يحصل على الحكمة إلا إذا كانت طرقها مستقاة من الكتاب والسنة، وإذا وفق الداعية المسلم لطرق الحكمة فلا يخرجها ذلك عن كونها هبة من اللَّه تعالى، لقوله تعالى: {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}[البقرة: 269]، بل اللَّه الذي وفقه وسدده، وأعطاه خيرًا كثيرًا، جليلًا قدره، عظيمًا نفعه، ولهذا استنبط بعض المحققين من قوله: {خَيْرًا كَثِيرًا} أن إيتاء الحكمة خير من الدنيا وما فيها كلها؛ لأن اللَّه وصف الدنيا في قوله: {قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ} [النساء: 77] فدل فذلك على أن ما يؤتيه اللَّه من حكمته خير من الدنيا وما عليها؛ لأن من أوتيها خرج من ظلمة الجهل إلى نور الهدى، وحمق الانحراف في الأقوال والأفعال إلى إصابة الصواب فيها، وحصول السداد والاعتدال، والبصيرة المستنيرة، وإتقان الأمور وإحكامها، وتنزيلها منازلها، وهذا كله من أفضل العطايا وأجل الهبات.

الحكمة هي: إصابة الحق بالعلم والعقل، فالحكمة من الله تعالى: معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الإحكام، ومن الإنسان: معرفة الموجودات وفعل الخيرات. (1)

قال النووي رحمه الله: " وأما الحكمة ففيها أقوال كثيرة مضطربة قد اقتصر كل من قائليها على بعض صفات الحكمة، وقد صفا لنا منها أن الحكمة: عبارة عن العلم المتصف بالأحكام المشتمل على المعرفة بالله تبارك وتعالى، المصحوب بنفاذ البصيرة، وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به، والصد عن اتباع الهوى والباطل، والحكيم من له ذلك ". (2)

من معاني كلمة الحكمة في القرآن الكريم:

وذكر أهل التّفسير أنّ الحكمة في القرآن على ستّة أوجه:

أحدها: الموعظة: ومنه قوله تعالى: {حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ}. (القمر: 5)

الثّاني: السّنّة: ومنه قوله تعالى: {وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ}. (البقرة: 151)

الثّالث: الفهم: ومنه قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ}. (لقمان: 12)

الرّابع: النّبوّة: ومنه قوله تعالى: {وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ}. (ص: 20)

الخامس: القرآن: أمره ونهيه: ومنه قوله تعالى: {ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}. (النّحل: 125)

السّادس: علوم القرآن: ومنه قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}(البقرة: 269). (3)

 الحكيم من أسماء الله تعالى:

قال البيهقي: " قَالَ الْحَلِيمِيُّ فِي مَعْنَى الْحَكِيمِ: الَّذِي لا يَقُولُ وَلا يَفْعَلُ إِلاَّ الصَّوَابُ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُوصَفَ بِذَلِكَ لأَنَّ أَفْعَالَهُ سَدِيدَةٌ، وَصُنْعَهُ مُتْقَنٌ، وَلا يَظْهَرُ الْفِعْلُ الْمُتْقَنُ السَّدِيدُ إِلاَّ مِنْ حَكِيمٍ، كَمَا لا يَظْهَرُ الْفِعْلُ عَلَى وَجْهِ الاخْتِيَارِ إِلاَّ مِنْ حَيٍّ عَالِمٍ قَدِيرٍ". (4)

الترغيب في الحكمة من القرآن الكريم:

أولا: الحكمة من صفة المولى- عزّ وجلّ- (مرادًا بها إيجاد الأشياء على غاية الإحكام والدقة):

قال تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (31) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}. (سورة البقرة 31، 32).

ثانيا: الحكمة من صفة القرآن الكريم:

قال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ} (آل عمران: 57- 58).

ثالثا: والحكمة فضل من الله يتفضل بها على عباده:

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269]

قال السعدي رحمه الله: لما أمر تعالى بهذه الأوامر العظيمة المشتملة على الأسرار والحكم وكان ذلك لا يحصل لكل أحد، بل لمن منَّ عليه وآتاه الله الحكمة، وهي العلم النافع والعمل الصالح ومعرفة أسرار الشرائع وحكمها، وإن من آتاه الله الحكمة فقد آتاه خيرًا كثيرًا وأي خير أعظم من خير فيه سعادة الدارين والنجاة من شقاوتهما! وفيه التخصيص بهذا الفضل وكونه من ورثة الأنبياء، فكمال العبد متوقف على الحكمة، إذ كماله بتكميل قوتيه العلمية والعملية فتكميل قوته العلمية بمعرفة الحق ومعرفة المقصود به، وتكميل قوته العملية بالعمل بالخير وترك الشر، وبذلك يتمكن من الإصابة بالقول والعمل وتنزيل الأمور منازلها في نفسه وفي غيره، وبدون ذلك لا يمكنه ذلك.(5)

رابعا: والحكمة تأتي بمعنى السنة وبيان الشرائع:

قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113].

وَقَالَ عَنِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} [آل عمران: 48].

وقال تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [النساء: 54]

خامسا: الحكمة بمعنى الفهم وحجة العقل وفقا للشريعة:

قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}. (سورة لقمان: 12).

سادسًا: أهمية الحكمة في الدعوة إلى الله:

قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125]

الترغيب في الحكمة من السنة النبوية:

- عن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:"إِنَّ مِنْ الشِّعْرِ حِكْمَةً ". (6)

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله: " إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً " أَيْ: قَوْلًا صَادِقًا مُطَابِقًا لِلْحَقِّ. وَقِيلَ: أَصْلُ الْحِكْمَةِ الْمَنْعُ فَالْمَعْنَى: إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ كَلَامًا نَافِعًا يَمْنَعُ مِنَ السَّفَهِ.

 وَقَالَ ابن بَطَّالٍ: مَا كَانَ فِي الشِّعْرِ وَالرَّجَزِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَعْظِيمٌ لَهُ وَوَحْدَانِيَّتُهُ، وَإِيثَارُ طَاعَتِهِ وَالِاسْتِسْلَامُ لَهُ فَهُوَ حَسَنٌ مُرَغَّبٌ فِيهِ، وَهُوَ المراد فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ حِكْمَةٌ، وَمَا كَانَ كَذِبًا وَفُحْشًا فَهُوَ مَذْمُومٌ. (7)

- وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: ضَمَّنِي النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى صَدْرِهِ، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ". (8)

قال ابن حجر رحمه الله: وَاخْتَلَفَ الشُّرَّاحُ فِي الْمُرَادِ بِالْحِكْمَةِ هُنَا، فَقِيلَ: الْقُرْآنُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: الْعَمَلُ بِهِ. وَقِيلَ: السُّنَّةُ. وَقِيلَ: الْإِصَابَةُ فِي الْقَوْلِ. وَقِيلَ: الْخَشْيَةُ. وَقِيلَ: الْفَهْمُ عَنِ اللَّهِ. وَقِيلَ: الْعَقْلُ. وَقِيلَ: مَا يَشْهَدُ الْعَقْلُ بِصِحَّتِهِ. وَقِيلَ: نُورُ يُفَرَّقُ بِهِ بَيْنَ الْإِلْهَامِ وَالْوَسْوَاسِ. وَقِيلَ: سُرْعَةُ الْجَوَابِ مَعَ الْإِصَابَةِ. وَبَعْضُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ ذَكَرَهَا بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَد آتَيْنَا لُقْمَان الْحِكْمَة} والأقرب أَن المُرَاد بهَا فِي حَدِيث ابن عَبَّاسٍ الْفَهْمُ فِي الْقُرْآنِ. (9)

- وعن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا ". (10)

قال ابن حجر رحمه الله: " وَأَمَّا الْحَسَدُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ فَهُوَ الْغِبْطَةُ وَأَطْلَقَ الْحَسَدَ عَلَيْهَا مَجَازًا وَهِيَ أَنْ يَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ مَا لِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزُولَ عَنْهُ وَالْحِرْصُ عَلَى هَذَا يُسَمَّى مُنَافَسَةً فَإِنْ كَانَ فِي الطَّاعَةِ فَهُوَ مَحْمُود وَمِنْه فَلْيَتَنَافَس الْمُتَنَافسُونَ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَعْصِيَةِ فَهُوَ مَذْمُومٌ وَمِنْهُ وَلَا تَنَافَسُوا وَإِنْ كَانَ فِي الْجَائِزَاتِ فَهُوَ مُبَاحٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ لَا غِبْطَةَ أَعْظَمُ أَوْ أَفْضَلُ مِنَ الْغِبْطَةِ فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ". (11)

نماذج للحكمة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم:

1-عن سُلَيْمَانَ بْن صُرَدٍ - رَجُل مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- - قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَغَضِبَ أَحَدُهُمَا فَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى انْتَفَخَ وَجْهُهُ وَتَغَيَّرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِي يَجِدُ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَقَالَ: تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ. ...(12)

2-حكمته العظيمة في جوابه لملك الجبال أثناء عودته من الطائف حزينًا:

-عنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ فَقَالَ: " لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رُدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ "، قَالَ: " فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ، فَمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ "، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا.(13)

3-وتتجلى حكمته العظيمة -صلى الله عليه وسلم- بعد هجرته إلى المدينة:

-عندما وصل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة كان فيها مجموعات من السكان متباينة في عقيدتها، مختلفة في أهدافها، متفرقة في اجتماعاتها، وكانت لديهم خلافات بعضها قديم موروث، وبعضها حديث موجود، وقد كانت هذه المجموعات على ثلاثة أصناف:

 1- المسلمون، من: الأوس، والخزرج، والمهاجرين.

2- المشركون، من: الأوس، والخزرج الذين لم يدخلوا في الإسلام.

3 - اليهود، وهم عدة قبائل: بنو قينقاع، وقد كانوا حلفاء الخزرج، وبنو النضير، وبنو قُريظة، وهاتان القبيلتان كانتا حلفاء الأوس.

وقد كان هناك خلاف مستحكم بين الأوس والخزرج، وكانت بينهما حروب في الجاهلية، وآخرها يوم بُعَاثٍ ولا يزال في النفوس شيء منها.

لقد قام النبي -صلى الله عليه وسلم- بحل هذه المشكلات كلها، بحكمته العظيمة، وحسن سياسته، وكان حله وإصلاحه لهذه الأوضاع، وجمعه لشمل المسلمين كالتالي:

 1- بناء المسجد والاجتماع فيه أول عمل وحد بين القلوب.

2- دعوة اليهود إلى الإسلام بالقول الحكيم.

3- المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار. (14)

5 – ومن حكمته -صلى الله عليه وسلم- حلمه على المشركين في دعوته لهم رجاء

إسلامهم :

عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ، إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ، إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى كَانَ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ، إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ، فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، يَا مُحَمَّدُ، وَاللهِ، مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَاللهِ، مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَيَّ، وَاللهِ، مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ. . ". (15)

6-وتتجلى حكمته مع الشاب الذي جاءه يستأذنه في الزنا

-عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ. مَهْ. فَقَالَ: " ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا ". قَالَ: فَجَلَسَ قَالَ: " أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ " قَالَ: لَا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ ". قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟ " قَالَ: لَا. وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ ". قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟ " قَالَ: لَا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ ". قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ " قَالَ: لَا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ ". قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ " قَالَ: لَا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ ". قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: " اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ " قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ. (16)

7-وفي صلح الحديبية تجلت حكته -صلى الله عليه وسلم- في هذا الموقف:

-عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ. قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: فَجَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًا، فَدَعَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْكَاتِبَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا الرَّحْمَنُ فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هُوَ؟ وَلَكِنْ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: وَاللَّهِ لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ. ثُمَّ قَالَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنْ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنْ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ(17)

وفي رواية أخرى: " قَالَ لِعَلِيٍّ: اكْتُبِ الشَّرْطَ بَيْنَنَا، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ لَهُ الْمُشْرِكُونَ: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ تَابَعْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَمْحَاهَا، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَا وَاللهِ، لَا أَمْحَاهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرِنِي مَكَانَهَا، فَأَرَاهُ مَكَانَهَا فَمَحَاهَا، وَكَتَبَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ ". (18)

وهذا موقف أبى بكر عقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم:

أُصيب المسلمون يوم وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بمصيبة عظيمة، وهزّة عنيفة أفقدت الكثير منهم صوابهم، لكن أبا بكر كان حكيما في معالجة الموقف

عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى فَرَسِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَتَيَمَّمَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ مُسَجًّى بِبُرْدِ حِبَرَةٍ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ ثُمَّ بَكَى فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَا يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ؛ أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا. قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَأَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُكَلِّمُ النَّاسَ فَقَالَ: اجْلِسْ. فَأَبَى، فَقَالَ: اجْلِسْ، فَأَبَى فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَالَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَتَرَكُوا عُمَرَ، فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- فَإِنَّ مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} إِلَى الشَّاكِرِينَ.

 وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ فَمَا يُسْمَعُ بَشَرٌ إِلَّا يَتْلُوهَا. (19)

وموقفه رضي الله عنه في إنفاذ جيش أسامة بن زيد رضي الله عنهما:

ظهرت حكمة الصديق رضي الله عنه أثناء تنفيذ جيش أسامة زيد رضي الله عنهما من عدة وجوه:

(أ‌) تنفيذه بعث أسامة رضي الله عنه على الرغم من شدة الأحوال ومعارضة بعض الصحابة، وذلك امتثالًا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم.

(ب‌) ثم إن بعض الناس أشار على أبي بكر أن يولي أمر الجيش رجلًا أقدم سنًّا من أسامة؛ فغضب رضي الله عنه لذلك؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هوَ الذي أَمَّرَ أسامة على هذا الجيش، فلا يريد - رضي الله عنه - أن يغير شيئًا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 (جـ) وخرج أبو بكر رضي الله عنه يشيع الجيش ويودع أسامة وجيشه، وأبو بكر يسير على قدميه، وأسامة راكبًا، فقال له أسامة: يا خليفة رسول الله، إما أن تركب، وإما أن أنزل، فقال أبو بكر: والله لست براكب ولست بنازل، وما علي أن أغبر قدمي ساعة في سبيل الله.

 (د) واستأذن أبو بكر رضي الله عنه من أسامة لعمر بن الخطاب وقد كان عمر من ضمن الجنود في جيش أسامة، فَأَذِنَ أسامة لعمر بن الخطاب رضي الله عن الجميع وأرضاهم.

 فكان خروج أسامة إلى الروم بأرض الشام في ذلك الوقت من أكبر المصالح، فساروا لا يمرون بحي من أحياء العرب إلا أُرعبوا منهم وأخذهم الخوف والفزع، وقالوا: ما خرج هؤلاء القوم إلا وبهم شديدة، وسنتركهم حتى يلقوا الروم، فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم وبقوا أربعين يومًا - وقيل سبعين يومًا - ثم أتوا سالمين غانمين، وعندما رجعوا جهزهم أبو بكر مع الجيش لقتال أهل الردة ومانعي الزكاة. (20)

من فوائد الحكمة

(1) الإصابة في القول والسّداد في الفعل.

(2) الحكيم يعمل على وفق الشّرع، ويصيب في القول والفعل والتّفكّر ويسير على هدي من الله ونور.

(3) وأجمل فوائد الحكمة أنّها تدلّ على المعرفة بالله- عزّ وجلّ- مع نفاذ البصيرة وتهذيب النّفس وتحقيق الحقّ للعمل بمقتضاه والبعد عمّا سواه.

(4) الحكمة دليل كمال العقل.

(5) يلبس صاحبها تاج الكرامة في الدّنيا والآخرة.

(6) ينفع الله بصاحبها طلّاب العلم ومريدي الخير.

(7) يدرأ الله بصاحبها أبوابا كثيرة من الشّرّ.

(8) أنّها سمة من سمات الأنبياء والصّالحين والعلماء العالمين. (21)

موانع اكتساب خلق الحكمة:

1-    الهوى وعدم التجرد: يقول -سبحانه-: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: 26]. ويقول: {أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50]. وقال: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [المؤمنون: 71]. والآيات في ذم الهوى كثيرة جدًا، وكلها تدل على استحالة اجتماع الحكمة والهوى.

2-    الجهل: والجهل ضد العلم، وما وجد الجهل في شيء إلا شانه، وما نزع من شيء إلا زانه، والتأمل في هذه الآيات يبين تأثير الجهل، وأنه والحكمة لا يجتمعان، حيث ذكر الله -سبحانه- في أكثر من آية أن سبب عدم توفيقهم للحق والحكمة هو الجهل:

{قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} (الزمر: 64). {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (البقرة: 67). {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (المائدة: 50). {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (هود: 46). ومن خلال هذه الآيات وأمثالها يتضح لنا تأثير الجهل على الحكمة، وأنه من خوارمها، ولذا قال الشاعر:

وفي الجهل قبل الموت موتٌ لأهله. . . وأجسادهم دون القبور قبور

3-    قلة التجربة: ولذا نجد أن بعض تصرفات الشباب تخالف الحكمة لقلة تجربتهم ومحدوديتها وضعفها.

4-    والفردية: هي من خوارم الحكمة الظاهرة، لذا قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ. (22)

5-    تقديم الجزئيات على الكليات: وهذا ناشئ من قلة العلم، وقصر النظر.

6-    عدم إتقان قاعدة المصالح والمفاسد: وهذا يؤدي إلى تقديم جلب المصلحة على دفع المفسدة، ودفع المفسدة الصغرى بالكبرى، وجلب المصلحة الدنيا، وترك العليا.

وليس الحكيم هو من يعرف الخير والشر، وإنما الحكيم من يعرف خير الخيرين، وشر الشرين.

وهذه القاعدة من أعظم قواعد الشريعة، والجهل بها يجر على المسلمين الشرور والويلات.

7-    الخلط في المفاهيم: الحكيم لا بد أن ينطلق من مفاهيم صحيحة، وقواعد ثابتة، مستمدة من الكتاب والسنة، وإذا اختلطت المفاهيم لدى المرء وتشابهت الأمور، لن يصل إلى مبتغاه، وسيتخبط في سيره.

---

(1) المفردات في غريب القرآن ( 249 ).

(2) شرح النووي على مسلم (2/ 33).

(3) نضرة النعيم( 5 / 1679 ).

(4) الأسماء والصفات ( 1 / 67 ).

(5) تفسير السعدي (115).

(6) أخرجه البخاري (6145).

(7) فتح الباري (10 /540 ).

(8) أخرجه البخاري ( 3756 ).

(9) فتح الباري ( 1 / 170 ).

(10) أخرجه البخاري ( 1409 )، ومسلم ( 816 ).

(11) فتح الباري ( 1 / 167 ).

(12) أخرجه البخاري ( 6048 ).

(13) أخرجه البخاري ( 3231 )، ومسلم ( 1795 ).

(14) مفهوم الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى، سعيد بن وهف القحطاني ( 1 / 162 ).

(15) أخرجه البخاري ( 2422 )، ومسلم ( 1764 ).

(16) أخرجه أحمد ( 22211 )، وقال الألباني في الصحيحة ( 1 / 369 ): هذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح.

(17) أخرجه البخاري ( 2732 ).

(18) أخرجه البخاري ( 4251 )، ومسلم ( 1783 ).

(19) أخرجه البخاري ( 1242 ).

(20) تاريخ الطبري 2/ 246، والكامل في التاريخ لابن الأثير 2/ 226، الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى ( 1 / 219 ).

(21) نضرة النعيم ( 5 / 1705).

(22) أخرجه أحمد ( 27514 )، وحسنه الألباني في صحيح الجامع ( 5701 ).