إصلاح البيوت

إصلاح البيوت

نعمة البيت والسكن                  أسباب المشكلات المنزلية

وسائل إصلاح البيوت                     صور من بيوت الصالحين

أولا: نعمة البيت والسكن:

- إن من تمام نعم الله عز وجل على عباده أن جعل لهم بيوتا تؤويهم وتسترهم، وهذه النعمة تستحق الشكر لمن أنعم بها، قال تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا) [النحل: 80].

قال ابن كثير -رحمه الله-: يَذْكُرُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تَمَامَ نِعَمِهِ عَلَى عَبِيدِهِ، بِمَا جَعَلَ لَهُمْ مِنَ الْبُيُوتِ الَّتِي هِيَ سَكَنٌ لَهُمْ، يَأْوُونَ إِلَيْهَا، وَيَسْتَتِرُونَ بِهَا، وَيَنْتَفِعُونَ بِهَا سَائِرَ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ(1).

- كذلك من نعم الله على عباده أن جعل لهم أزواجاً لتتم النعمة عليهم ويحصل لهم السكن والطمأنينة والاستقرار حتى يستطيعوا أن يستقيموا على دينه.

قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].

قال عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله-: قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ) الدالة على رحمته وعنايته بعباده وحكمته العظيمة وعلمه المحيط، (أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا) تناسبكم وتناسبونهن وتشاكلكم وتشاكلونهن (لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) بما رتب على الزواج من الأسباب الجالبة للمودة والرحمة. فحصل بالزوجة الاستمتاع واللذة والمنفعة بوجود الأولاد وتربيتهم، والسكون إليها، فلا تجد بين أحد في الغالب مثل ما بين الزوجين من المودة والرحمة، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) يُعملون أفكارهم ويتدبرون آيات الله وينتقلون من شيء إلى شيء(2).

ثانيا: أسباب المشكلات المنزلية:

1- مخالفة أمر الله تعالى وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-: وَقَدْ دَلَّ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ وَالْفِطْرَةُ وَتَجَارِبُ الْأُمَمِ عَلَى أَنَّ التَّقَرُّبَ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَطَلَبِ مَرْضَاتِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ الْجَالِبَةِ لِكُلِّ خَيْرٍ، وَأَضْدَادَهَا مِنْ أَكْبَرِ الْأَسْبَابِ الْجَالِبَةِ لِكُلِّ شَرٍّ(3).

وعلى هذا فكل مشكلة في أي بيت من بيوت المسلمين السبب الرئيس لحصولها هو مخالفة أمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-. ومن افتَتَح حياتَه الزوجيّة بالمخالفاتِ الشرعية فهل ينتظِر التوفيقَ من الله؟! أعني بذلك ما بُلِي به بعضُ المسلمين بما أحاطوا به الأعراسَ والأفراحَ من مخالفاتٍ ومُنكَرات قد تنزِع منه البركةَ وتُفقِده التوفيقَ كالتبرّج واختلاطِ الرجالِ بالنساء والتصويرِ المعلَن والخفيِّ والمعازِفِ والأغاني والتعرّي في اللباسِ وتضييع الصّلوات، هذا بالإضافةِ إلى الإسراف في المباحاتِ في التجهيز والحفلات، حتى تحوَّلت بعض الحفلاتِ إلى طغيانٍ ومعاص(4).

وقال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى: 30].

قال الطبري -رحمه الله-: يقول تعالى ذكره: وما يصيبكم أيها الناس من مصيبة في الدنيا في أنفسكم وأهليكم وأموالكم (فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) يقول: فإنما يصيبكم ذلك عقوبة من الله لكم بما اجترمتم من الآثام فيما بينكم وبين ربكم ويعفو لكم ربكم عن كثير من إجرامكم، فلا يعاقبكم بها(5).

2- عدم الرضا بقضاء الله وقدره: إن الله تعالى قدَّر الأرزاق وكتبها قبل خلق السماوات والأرض، فعن عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ -رضي الله عنه- قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ. قَالَ رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ قَالَ اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ)(6).

وقد ميز الله عز وجل بعض خلقه على بعض فخلق منهم الغنى وخلق منهم الفقير، فهو تعالى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، قال تعالى: (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [العنكبوت: 62]. وقد يظن البعض أن ضيق الرزق سببًا لبعض المشكلات فيلجأ المرء بعد ذلك لطلب الرزق بما يخالف شرع الله، وإنما السبب في ذلك الترف المفرط والتبذير وإنفاق المال في غير حق، وهذا من شؤم الذنب والمعصية.

3- عدم قيام الزوج بواجب القوامة الشرعية: قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ).

قال أبو جعفر الطبري -رحمه الله-: الرجال أهل قيام على نسائهم، في تأديبهن والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهن لله ولأنفسهم(7).

وقال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [البقرة: 228].

قال ابن كثير -رحمه الله-: وَقَوْلُهُ: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) أَيْ: فِي الْفَضِيلَةِ فِي الخُلُق، وَالْمَنْزِلَةِ، وَطَاعَةِ الْأَمْرِ، وَالْإِنْفَاقِ، وَالْقِيَامِ بِالْمَصَالِحٍ، وَالْفَضْلِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النِّسَاءِ: 34](8).

فالله عز وجل جعل للرجل على المرأة القوامة وخلقه بهذه الصفة ووهبه درجة عليها

كل ذلك ليقوم على تأديبها والأخذ على يديها إذا وقع منها ما يخالف أمر الله، مثل لو تركت الصلاة، أو لبست زيا مخالفًا للشرع، أو قصرت في حق الله فعليه أن يأخذ على يديها، وإن ما نراه في شوارعنا اليوم من سوء أخلاق وتبرج وسفور وانعدام الحياء من الكثير إلا من رحم ربك، سببه الأساسي هو تقصير الرجل في ما عليه من دور في التربية تجاه من يعول وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)(9). لكن لا يفهم من ذلك أن القوامة تعنى التسلط والتعسف والظلم، وإنما هي الرعاية والحفظ والقيام بالمصالح. وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُم)(10).

ثالثا: وسائل إصلاح البيوت:

1-الاستقامة على طريق الله: من أفضل الوسائل المعينة على إصلاح البيوت هي الاستقامة على طريق الله سبحانه واتباع ما جاء عن الله وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأن تكون هذه الاستقامة على الفعل والترك تعظيما لله سبحانه وأمره، وإيمانا به، واحتسابا لثوابه، وخشية من عقابه.

 وإن تقوى الله عز وجل لها أثر طيب في حياة الرجل وبعد مماته وفي ذريته، وفي قصة الجدار الذي بناه الخضر في سورة الكهف ذكر أن السبب كان كما ذكر الله: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا) [الكهف: 82]. وفيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة، بشفاعته فيهم ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة لتقر عينه بهم(11).

ومثلها قوله تعالى: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) [النساء: 9].

2- حسن اختيار الزوجة: فينبغي على صاحب البيت أن يختار الزوجة الصالحة بالشروط التي ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ)(12). وإن كان العقد رغبة في الدين فهو أوثق العقود حالا وأدومها ألفة وأحمدها بدءًا وعاقبة؛ لأن طالب الدين متبعٌ له ومن اتبع الدين انقاد له، فاستقامت له حاله، وأمن زلله. ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فاظفر بذات الدين تربت يداك)(13).

وفي المقابل إذا جاء خاطب للمرأة فلابد أن يُنظرَ في دينه وخلقه كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوه تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)(14).

فرغب النبي -صلى الله عليه وسلم- في صاحب الخلق لأن الخلق مدار حسن المعاش ورغب في صاحب الدين لأن الدين مدار أداء الحقوق(15).

3-عمارة البيوت بالذكر والصلاة وتلاوة القرآن: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ)(16).

 قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر) أي خالية عن الذكر والطاعة فتكون كالمقابر

وتكونون كالموتى فيها(17).

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (اجْعَلُوا مِنْ صَلاَتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا)(18).

وعَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ، وَالْبَيْتِ الَّذِي لاَ يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ)(19).

قال الَمنَاوِي -رحمه الله-: شبَّه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الذاكر بالحي الذي تزين ظاهره بنور الحياة وإشراقها فيه، فالذاكر يزين ظاهره بنور العمل وباطنه وغير الذاكر ظاهره عاطل وباطنه باطل(20).

وقال الشوكاني -رحمه الله-: التاركُ للذكر وإن كان في حياة ذاتية فليس لها اعتبار بل هو شبيه بالأموات الذين لا يفيض عليهم بشيء مما يفيض على الأحياء المشغولين بالطاعة لله عز وجل(21).

وكم من بيوت للمسلمين اليوم ميتة بعدم ذكر الله فيها، بل ما هو حالها إذا كان الذي يذكر فيها هو ألحان الشيطان من المزامير والغناء والغيبة والنميمة والبهتان؟! وكيف حالها وهي مليئة بالمعاصي والمنكرات كالاختلاط المحرم والتبرج بين الأقارب من غير المحارم أو الجيران؟! (22).

4- حسن التعامل بين الزوجين: عَنْ عَائِشَةَ-رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا، أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقَ)(23).

وقد أوصى الله عز وجل عباده بالرفق في المعاشرة وأن تكون قائمة على المعروف. قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء: 19].

وكان من أخلاقه -صلى الله عليه وسلم- أنه جميلُ العِشرة دائم البِشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقته، ويضاحك نساءه، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين-رضي الله عنه-، يتودد إليها بذلك. قالت: سابقني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسبقته، وذلك قبل أن أحمل اللحم، ثم سابقته بعد ما حملت اللحم فسبقني، فقال: (هذه بتلك)(24)، ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها. وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلا قبل أن ينام، يؤانسهم بذلك -صلى الله عليه وسلم- وقد قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) [الأحزاب: 21](25).

رابعا: صور من بيوت الصالحين:

إن استقرار البيوت وصلاح الأسر لهو أعظم سبب من أسباب السعادة، وإن استقر البيت وقام على شرع الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- كان نتاجه بإذن الله غالبا إخراج جيل أشد تعظيمًا لحرمات الله عز وجل، محاكيًا للجيل الأول من السابقين. ومن الأمثلة:

بيوت المهاجرين رضوان الله عليهم وعلى رأسهم بيت أبى بكر الصديق -رضي الله عنه-:

وهو أكمل البيوت حالاً بعد بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- جنَّدَ أبوبكر بيته كله لخدمة دين الله عز وجل.

قَالَتْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ(26).

كان من نتاجه أن أخرج لنا خير مثال للمرأة المسلمة في العفة والطهارة والعلم ألا وهي عائشة -رضي الله عنها- قال الذهبي -رحمه الله-: ولا أعلم في أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- بل ولا في النساء مطلقًا امرأة أعلم منها(27).

ومنها بيت الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: بيت العدل والإنصاف لم يختلف عن بيت أبى بكر تخرَّج فيه عبدالله و حفصة زوجة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ومن بيوت الأنصار رضوان الله عليهم: بيتٌ خرَّج سعد بن معاذ وعبادة بن الصامت وزيد بن ثابت، ومنها بيت عمرو بن الجموع ومعاذ بن عفراء وغيرهم -رضي الله عنهم-.

 ومن بيوت التابعين: بيت سيرين مولى أنس بن مالك -رضي الله عنه-، كان من نتاجه محمد ويحيي وأنس وحفصة وكل هؤلاء كانوا من العلماء. وبيت مالك بن أنس -رحمه الله- كان فيه ابنته وجاريته كمَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ -رحمه الله- حِينَ كَانَ يُقْرَأُ عَلَيْهِ الْمُوَطَّأَ فَإِنْ لَحَنَ الْقَارِئُ فِي حَرْفٍ، أَوْ زَادَ، أَوْ نَقَصَ تَدُقُّ ابْنَتُهُ الْبَابَ فَيَقُولُ أَبُوهَا لِلْقَارِئِ ارْجِعْ فَالْغَلَطُ مَعَك فَيَرْجِعُ الْقَارِئُ فَيَجِدُ الْغَلَطَ.

وَكَذَلِكَ مَا حُكِيَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَأَنَّهُ اشْتَرَى خَضِرَةً مِنْ جَارِيَةٍ وَكَانُوا لَا يَبِيعُونَ الْخَضِرَةَ إلَّا بِالْخُبْزِ فَقَالَ لَهَا: إذَا كَانَ عَشِيَّةً حِينَ يَأْتِينَا الْخُبْزُ فَائْتِينَا نُعْطِيك الثَّمَنَ فَقَالَتْ: ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَقَالَ لَهَا: وَلِمَ؟ فَقَالَتْ: لِأَنَّهُ بَيْعُ طَعَامٍ بِطَعَامٍ غَيْرُ يَدٍ بِيَدٍ. فَسَأَلَ عَنْ الْجَارِيَةِ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهَا جَارِيَةُ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ -رحمه الله-(28).

 وبيت سعيد بن المسيب فيه ابنته، لَمَّا أَنْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا - كثير بن المطلب بن أبي وداعة- وَكَانَ مِنْ أَحَدِ طَلَبَةِ وَالِدِهَا فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحَ أَخَذَ رِدَاءَهُ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ، فَقَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ: إلَى أَيْنَ تُرِيدُ فَقَالَ: إلَى مَجْلِسِ سَعِيدٍ أَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ. فَقَالَتْ: لَهُ اجْلِسْ أُعَلِّمُكَ عِلْمَ سَعِيدٍ(29).

والناظر في سير هؤلاء جميعًا يجد أن بيوتهم قامت على شرع الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، تلك بيوت القوم فلنسلك سبيلهم وطريقتهم جهدنا، فإن لم نبلغ غايتهم، فأخذ القليل خير من ترك الكثير. فلنقتدي بهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وهدي أصحابه ومن سار على نهجهم حتى تصفو لنا حياتنا ويسلم لنا ديننا.

---

(1) تفسير ابن كثير (4/ 591).

(2) تفسير السعدي (ص: 639).

(3) الداء والدواء، لابن القيم (ص: 18).

(4) المشكلات الزوجية، للشيخ صالح بن محمد آل طالب.

(5) تفسير الطبري (21/ 538).

(6) أخرجه أبوداود(4702)، صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (2018/890).

(7) تفسير الطبري (8/ 290).

(8) تفسير ابن كثير (1/ 610).

(9) أخرجه البخاري (893)، ومسلم (4751).

(10) أخرجه ابن أبي شيبة (562)، وصححه الألباني في الإرواء (2156).

(11) تفسير ابن كثير (5/ 186).

(12) أخرجه البخاري (5090)، ومسلم(3625).

(13) أدب الدنيا والدين، لابن أبى الدنيا (ص: 156).

(14) أخرجه ابن ماجه (1968)، حسنه الألباني صحيح الجامع الصغير(270).

(15) انظر حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 607).

(16) أخرجه مسلم (1774).

(17) تحفة الأحوذي للمبار كفوري (8/ 146).

(18) أخرجه مسلم (1770).

(19) أخرجه مسلم (1773).

(20) فيض القدير، للمناوي (5/ 646).

(21) تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين، للشوكاني (ص: 20).

(22) المشكلات الزوجية، للشيخ صالح بن محمد آل طالب.

(23) أخرجه أحمد(24427)، وصححه الألباني الصحيحة (1219).

(24) الحديث أخرجه النسائي في الكبرى (8895)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (3251).

(25) انظر تفسير ابن كثير (2/ 242).

(26) أخرجه البخاري (476).

(27) سير أعلام النبلاء للذهبي (2/ 140).

(28) المدخل لابن الحاج (1/ 215).

(29) المصدر السابق.